أما أمراض الشبهات فحدث ولا حرج، فكم من إنسان سمع مقالة لمجرم عدو من أعداء الله، أو شيطان من شياطين الإنس؛ فوقعت في قلبه موقعاً لا تخرج منه أبداً، ونسي بسببها كل الحق الذي كان يراه في كتاب الله، والذي لا زال يراه في ملكوت الله، وأصبح لا يسمع موعظة، ولا يطيق أمراً بمعروف ولا نهياً عن منكر؛ لأن تلك الكلمة وقعت في قلبه فرسخت وأصبح يرد كل ما يأتيه من حق أو خير بتلك الكلمة التي قالها الشيطان أو أنطقها الشيطان على لسان شيطان مثله،.. فيسمع كلمة (الحرية) فيريد الحرية بالمعنى المخالف للحق، ويسمع شيطاناً آخر يقول له: لا حاجة للتعصب ولا للتزمت فيتشرب قلبه هذه الكلمة، وكلما قيل له: اتق الله قال: لا نريد التعصب ولا التزمت.. فيحتج بشبهة في رد أوامر الله عز وجل، وهي كلمة ألقاها له شيطان، وإذا سمع شخصاً يقول له محذراً: هؤلاء فيهم كذا وكذا كما قيل عن أهل السنة، بل كما قيل في الأنبياء قبلهم على مرِّ العصور والأزمان، فإنه حينئذ لا يجالس أحداً من أهل السنة ؛ بسبب تلك الكلمة التي قالها ذلك الشيطان، ولو أن هذا القلب سليم مستنير بذكر الله فلن تؤثر فيه كلمة ولا نظرة، لكن بسبب خلوه من ذكر الله ومن الحق والنور والإيمان، والصبر واليقين؛ أثرت فيه هذه الكلمة.
ولهذا يقول رحمه الله: [اعلم أن القلب له حياة وموت، ومرض وشفاء، وذلك أعظم مما للبدن]، فبعض الناس لا يعلمون بمرض القلب ولا موته ولا حياته، فأصبحت حياته موتاً وموته حياة، فبعض الناس إذا اهتدى ابنه يقول: هو مريض، ويذهب به إلى طبيب نفسي، فيعالجه ويصف له من الدواء: الفسحة، النزهة، الأفلام، المجلات؛ حتى يشفى. سبحان الله ما هذا الانعكاس في حياة الناس، إذ صاروا يهملون القلب. ولا يفكرون في أمر القلوب وإنما اهتمامهم كله بالأجساد، فإذا مرض الجسد وقيل: إن هذا المريض لا يرجى علاجه وشفاؤه إلا على يد فلان في مستشفى في بريطانيا، أو في كندا، أو اليابان، فترى أهله وأصحابه يجتمعون ويطلبون له طائرة خاصة لتوصله إلى تلك الأصقاع ليعالج، وهذا مشروع لا شيء فيه، لكن إذا كان هذا المرء صحيح البدن وقلبه مريض، يترك الصلاة، لا يرى في الخمر بأساً، ويتعامل بالربا ويرى أنه لا شيء عليه إن مارس ذلك، ويعتقد أنه لا يمكن له الحياة دون أن يتعامل بالربا، فهذا المرض الخطير من يعالجه؟!!
أكثر الناس لا يرون أن هذا مرض والعياذ بالله، وهذا دليل على أن أكثر الناس مرضى، وإذا علموا به لم يتبرع أحد لعلاج هذا المسكين، وهو يعاني من مرض قاتل أعظم وأشد من مرض الجسد، فغاية مرض الجسد أن يموت الإنسان، وما يدريك لعله يموت شهيداً، لكن إذا مات القلب خسر العبد الدنيا والآخرة، فمن ينقذ هذا؟ ومن يفطن له؟
يقول: [قال الله تعالى: ((أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا))[الأنعام:122] أي: كان ميتاً بالكفر فأحييناه بالإيمان] فليس من أعطي النور كمن يمشي في الظلمات يتخبط فيها. وقال تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ))[الأنفال:24] فحياة القلب بعد موته هي إيمانه بعد كفره، وهدايته بعد ضلاله، واستقامته بعد انحرافه، وطاعته بعد معصيته، هذه هي الحياة.